الثلاثاء، 26 مايو 2015

رِسالة قَصيرة.


- إييه، تبدو الحياةُ ساخطةً علينا قليلًا يا صديق، ونحن الذينَ أحسَنّا فيها طويلًا. ونحن الذينَ أحببنَاها.



-- هه، تعرف أنّنا سنعيشها على سخطِها برضا، لذا هي تمارس الضّغط علينا كما تشاء. ونحنُ نعيشها كما نشاء.



- متى نتصالحُ برأيكَ؟
متى ستضعُ كفّها على أكفّنا ونمشي طريقًا نُحبّه؟



-- امم
عندمَا نؤمنُ فقط. عندمَا نؤمن، سيبدو لنا المرُّ حُلوًا؛ لأنّنا نستلذّ الصّبر، ونستشعر هطولَ الرضا على قلوبِنا بردًا وسلامًا. عندمَا نشعر أن الدّموع طهارة، وأنّ الحُزن قوة، عندما نرفع أعيننا المثقلة ببكاءٍ طويلٍ إلى السماء، بدعاءٍ عريض. عندمَا نشرع أكفّنا إلى الله نقصدُ الرحمةَ ونتنهدُ بيقين. عندمَا نُطلق ابتساماتنا المُرهقة إلى الكون فتُزهر، ويُزهر، عندما نحبُّ أقصى ما نحبُّ ثم حينَ نُخذل نحبُّ أكثر. عندما...
يا صديقي، الحياةُ لا تضع كفّها على كفّ أحد، أنتَ اجبرها وضعْ كفّيك على كفيها. واشدد إلى الله حبلًا طويلًا بقلبكَ. الحياة بكفك، والله بقلبكَ. ثم امضِ سعيدًا.
...




الثلاثاء، 12 مايو 2015

وصيّة.



عندمَا أموتُ
لا تبكوني
أنا أخفُّ كثيرًا من الدّمعِ، وأقلّ من الحسرة.

ازرعوا وردةً في الممرّ ذاكَ، الذي يعبرهُ المُثقلونَ، ضعوا عنّي لُقمةً في فمِ محروم، احتضنوا يتيمًا. عنّي. آووا ضعيفًا. وألهِموا مُتعبًا. وأيقظوا غافلًا. عنّي. أنصتوا للسّماء، للرسائل التي لمْ تقلها لي بعد، للحقائق التي لم أرَها، للحكمة التي لا أتبيّنها، للحبّ الذي لم تُكتب له أرضٌ، وكتبت له سماءْ، وأرجو له الجنّة. لا ترهقوا مُتعبًا بالسّؤالِ.

.
بيدينِ اثنتين ودعاء. امسحُوا على قلبِ أمي، وأبي. على وجهِ أخي الصّغير الذي لمْ أشبع من عينيه، وعقدة حاجبيه، ولم أغرقْ في كفّه بعد. ثمّ لا تواسوا أحدًا أكثر، لأن الذي يَنسى لا يُواسى. وكلهم سينسون. وكلكم ستنسَون.

.
لا تستفزّوا المكان الذي حفِظني، وضجِر مني. الأرض الّتي أرهقتها بانحنائِي، والشُّجيرات التي استنطقت عينيّ، دعوها تمارسُ حزنَها ووحدتها من جديدٍ حتى تعرف ضيفًا جديدًا، وتنسَى. اتركوها صامتةً حتى تنسى. لا تستفزُّوها لأنها اكتشفتني أكثر.
..

أغمضوا عينيّ ولا تحدِّقوا فيهما قبل الإغماضِ، لا أريد أن تفلتَ مني حقيقة سعيتُ أن تموتَ معي. أو قلقٌ استأثرته لنفسي. والموتَى يعترفون بكثير، دَعوا ما ليَ، لي. أغمضوهُما. ثم صبوا عليّ مِسكًا، أروى تعلم تمامًا كم أُحبّ المسكَ. دعوهُ يكون عطرًا أخيرًا. ثم يدعو لي منكم الذي سأبقَى في قلبه، إن بقيتُ، حتّى ألقاهُ برحمة الله في الجنةِ، حين يتحقق دعاء الرحمة والمغفرة. وأشكرُ له دعاءهُ.




الاثنين، 11 مايو 2015

إضاءاتْ.


ستمشِي السّماءُ
على مقلتيكَ
ويعزِفكَ الكونُ / للكونِ
نايا.



سَيَزرعُك الله
وِردًا
جميلًا
ويُنبتُ قلبَكَ
وَردًا وآيا.



ستحفظكَ الأرضُ
أنّى مشيتَ.
وَتُسمعكَ الرّيحُ
عنّا
حكايَا



وتبتسمُ الأمنياتُ
جميعًا
وتضحكُ كلُّ الجهاتِ
سوايَا



...



على ضفّتينِ

نما الحُزنُ دمعًا.
وأرهقتِ الأرضُ
عنكمْ
خُطايَا



كأنّي
بـ صوتُ البكاءِ
وخوفي
سأنكرُ وجهِي بوجهِ المرايَا.



وأُرهِقُ هذَا الأنينَ
احتمالًا
وأسْكبُ مثلَ السماءِ.
غِنايَا



سَأصعدُ
أصْعدُ
حدَّ التَّلاشِي.
لـ ينتشلَ
النّورُ
مني
دُجايَا.



...



أرَى الشّعرَ

- أُمّي -
غناءً فسيحًا
وصوتًا يعيدُ
امتدادَ مدايَا.



أرانِي بدونِ القوافيَ
صِفرًا
أقلّبُ حُزني
وأتلو دُعايا.



وأنصتُ للعابرينَ
احتمالًا
وتحترفُ الموتَ
-أمي-
دمايَا.



تُراهُ..
سَينكُرني بعدَ حزنٍ
وتنفضني كفّتاهُ
شظايَا؟




------

السبت، 9 مايو 2015

حِوار عابر

(1)

- أشْعرُ أنّ قلبي سيقف. أظنّهُ يَستعجل نبضاته كي يدركَ النبضة الأخيرة.
- ليسَ بعد، اسأليهِ يتمهّل.
.
كأنّ قلبي بيدي. تنْسى - كونَها لم تدرس الأحياءَ ربّما - أن القلبَ عضلةٌ مُرهَقةٌ لا إراديّة، وأنّ نبضة في الوقتِ الخطأ قدْ تودي بحياةٍ كاملة. تنسى أنّ ثقبًا صغيرًا فيه يحتاجُ مقدارَ حياةٍ كاملة أيضًا كي يشفى، هذا إذا تيسّر له الشّفاء. إذا.

أحتاجُ نصًّا طويلًا، أقول لها، أحتاجُ نصًّا فارهًا جدًّا يُقنع هذا القلقَ بأن يُحرّرني قليلًا، ثمّ أستدرك، أُريد أن أتحرّر من هذا القلق في نصٍّ فارِه. هكذا أعدتُ الصّياغة، حتى لا تُكرّر عليّ كلماتِ الإرادة و و.. التي لا تحتَملني. ولا أحتملها. أقول بعد إطراقٍ، أو عَلى الأقلّ، أحتاجُ سفرًا طويلًا.

- مُترَفةٌ أنتِ. مُترَفة جدًّا.

طيب.

...

(2)


تمدّ نظرهَا إلى البحرِ أمامَها، تُغلق عينيها وتوقفُ حواسّها جميعًا، حواسّها الإراديّة طبعًا.
باستغرابٍ:
- تَشربين البحرَ؟ 

هههه نعم أشربُه، تفردُ كفّها وتشير إلى البحر، الكفّ مضطرب كموجةٍ قلقة، ساهمَة تنظر إلى البعييد جدًّا، دونَ أن تلتفت، لمَ لا نستطيع المشيَ على الماءِ أسألكِ؟

- امم، لوْ كانَ ممكنًا لوصلنا بعيدًا جدًّا.

تبتسم، لا، تتكلف ابتسامةً متطرفة، هذه الابتسامة مكلِفة.
طيب أنا أريد أن نصل بعيدًا، لمَ لا نستطيعُ أن نمشي على الماءِ، أسألكِ؟
نسيت كفّها معلقةً في الهواء.

- اممم.

تنظرُ إليها بعدَ كثير، علامةُ استفهامٍ جاثمة على رأسها، وأخرى بين جفنيهَا. 
تعودُ إلى الماءِ. لا جواب. ثم، على سبيل السّخافة، تقول: ربمّا يجب أن نمتلكَ أرجلًا أشبهَ بأرجل البطِّ أو أرجلًا محدّبة كَبطن سفينة. 
بطنها أو ظهرها؟ 
تَرسم بكفّها العالقة أخيرًا وجهًا محدبًا في الهواء.

ثمَّ، تلتفتُ للطّيرِ العابرِ أعلَى الماءِ، جناحه الثابت ورقصتهُ على صوتِ الموجةِ، يشبه كفها المضطربة قبل قليل. يشبهها تمامًا، راحت تقلص عينيها، ثم، هل هذا طائر نورس؟ 

- أظنّه غُراب.

هههههههه غرابٌ على الماء، الغراب يقف على عمود الكهرباء فقط، يعيش عليه، وربما يحترقُ به ذاتَ صاعقة. هذا ليسَ غُرابًا.

عصفور يمرّ من فوقها يُقاوم الريح بجناحهِ الصغير، يكاد يسقطُ على رأسها، يكاد قلبها أن يرتفع إليه حتى لا يسقط.
لا أحبّ للعصافير أن تسقطَ وهي تملك أجنحةً. السقوط لنا. نحن الذين لا نمتلك أجنحة واعتدنا على الأرضِ.

تعودُ تناقض نفسها، لكنني أنتمي إلى السّماء في الحقيقة، وإلّا لمَ لمْ أتصالح مع الأرضِ وقد وقفت عليها عشرينَ عامًا وسبعة أشهر؟ أنا أخجل أن أرفع عيني إلى السماء إلا إذا كانتْ مُشرعةً تمامًا، حتّى أستوعبها كما تفعل. ولم أعرّضُ قلبي لغيرها إطلاقًا. تحاول إقناع ذاتها.
..

(3)


الحياةُ ثقيلة - قليلًا - وإلّا ؟

- أنتِ تصنعينَ الحياةَ بيديكِ وتتحكّمـ ـيـ ...


ساهمةً مرةً أخرى، مُشكلتي هذه الأسئلة التي تلحّ عليّ ولا تنفد، والمشكلة الأخرى أنني لا أريد أن أسمعَ المزيد.
.

الجمعة، 1 مايو 2015

دورَة حياة طويلة.

.

تبتسم كثيرًا، وتضحكُ أكثر مما تتكلم، تقول: هو الضحِك خُلقَ أصلًا عُذرًا للذين لا يجدون ما يقولون.

حينما تمشي، تكاد تتعثّر من هولِ النظرات، تحاول ألّا ترفعَ عينيها، تكتشف فيما بعد أنّها تنظر عميقًا في عيون الناس، وتغرق تغرق تـ غـ ر ق. إذنْ لا عتَب على النّاس، لا عتب.
تمشي على الأرض نعم، لكنها في الحقيقة ليست هُنا، تدور عيناها دهشةً كل حين لكل شيء ولِلا شيء، تنحني في منتصف الطريق، في منتصف الخُطى، حتى تطمئن إلى الوردة المائلة، هي تعلم أن الوردةَ صلبةٌ أكثرَ منها، بكثير، لكنها تأمل أن تمنحَ الأرضَ شيئًا ، وتتركَ على طرف الوردة أثرًا، ولا تفعل، تقفُ، تبقى تنظر إلى مساحة الورد بضع دقائق، الشمس في قمةِ حياتها، الفتيات يهربن من الشمس مشيًا سريعًا، تمسك إحداهن كتابًا كيْ تمنعها من صفعها. والشمس تصفع أحيانًا كثيرة. لكنها لا تفعل معها. الذي يأمن الطبيعةَ تأمنْه.
تمشي بعدَ أن تستغرق خيالها في تلك المساحة، وتصبح أبعد ما تكون عن الأرض، تتابع المشي، يغريها جناح الطير في الغصن البعيد، البعيد جدًا، وتقف ثانيةً لتتابعه. أو تمشي ورأسها يتبعها، لا بأس. تعود إلى ذاتها، ولا تلوم أي ناظرٍ إليها، تبتسم، عيناها تقول: أعترف أنني على مشارف الجنون، لا بأس.
تجلسُ على الكرسيّ المقابلِ للبركةِ غير العذبةِ في الحقيقة، لكنها تفي بالغرضِ، تسخر من الفتى الذي اتسخ ثوبه الأبيض بشايٍ لم يعرف كيف يتوازن وهو يمسكه ويمشي، تسخر منه حين يأتي ليغسل الشاي بماء البركة: الشاي ألطف على ثوبك من هذا الماء يا أخي. هههه
تقلص عينيها، إلى الشجرة هذه المرة، تكتب قصائدًا في خيالها، لكن لا تحبسها في الورق، القصيدة الحرة أجمل، تكتب الكثييير، وتغني، ويكاد صوتها يُسمع، لكن تفيق. تفيق لأنها تلاحظ حركةً قريبًا من قدمها، وهي الملتفة بكل ما أوتيت من أطراف حتى لا تحاول حشرةٌ ما أن تتسلقها. فأر. فأر يقترب، لكن ليس منها، يقترب ليختار حبة " نَبق " طرية، يمسك واحدةً، يتفحصها، يتركها، يمسك الأخرى، يتفحصها، يحملها، يختفي: هه، حتى الفأر، يركز حين يختار شيئًا.
وقت المحاضرة، تفكر في عدد الساعات التي تغيبت فيها عن المحاضرة هذه، بقي غياب واحد ويكون عليها إنذار. أف. تقوم متثاقلة، تشمل المكان جميعه بعينيها، كأنها ستراه للمرة الأخيرة، وهي متأكدة أنه يفصلها عن المكان نفسه محاضرة واحدة ليس إلا. تذهب.
تدخل بين الطالبات، تستشعر الغربةَ أقصى ما تكون عليه، حتى تصادف إنسانًا تأمنه، تجلس في الصف الأخير أو بعد الأخير. تسمع المحاضرة وتكتب شيئًا آخر. أو تسرح في وجه المحاضرِ وتغييييب، لكن لا تنسى أن تحرك رأسها إشارةً أنها هنا، تسمعك ومعك تمامًا.
تفتح الهاتف. مثالية جدا. تكره المثالية جدًا. تلتقط الصورَ كي تستلهم الكون، وتكتب، وتكتب لأنها تحتاج أن تكتب، وتسمع صوتيةً جديدةً كي تضجّ فتكتب، تحضر اجتماعًا في مساء اليوم، كي تمتلأ، وتكتب. إنها تكتب كل حين لكنها لا تملؤ ورقة.
في كل مكان تضع بصمةً لا تشبهها وتتلقَى على إثرها التحايا والمديح، لا يؤذيها شيء أكثر من أنها لا ترى كما يرون: أحتاج زاويةً كزواياكم. أحتاج أن أندهشَ منّي. تبكي.
تدخل البيت، الذي يميز الحياةَ الآن أنه لا غربةَ هنا.
.
كم تتمنى لو أنها تستطيع أن تحمل دفء أمّها وغفلة أخيها الصغير وأمانَ أبيها معها كل يوم، تشعر أنها تحتاج هذه الأركان دائمًا كي تأمن الحياة.

تأكل أو لا تأكل، الأمر ليس مهمّا، في النهاية يبدو الشبع وجعًا نفسيًا وتأنيبَ ضمير.
..

تشعر أنها تحتاجُ صلاةً أخيرة.
تستعدّ بكلّ ما أوتيت من روح راغبة.
تصلي.
تُنهي صلاتها، تتكور على ذاتِها وما زال لبس الصلاةِ عليهَا، ثم ترجو بعمق: اللهم لا تكرّرني على هذه الحياةِ، ولا تمنح أحدًا من صفاتي شيئًا مُطلقًا، ولا تُشبّه بي صغيرًا وإنْ تسمّى باسمي. وإنْ أخذَ من ملامحي شيئًا. اللهم لا ترفعْ سقفي في نظر أحد، ولا تجعلني خيبةَ أحد، اللهمّ لا تُثقلني على كتف أبي وأمي، ولا تثقلني على مسامع صديقاتي، اللهم لا تجعل صوتي عاليًا كي لا يسخط الكون مني. اللهم أحتاجُ قلبًا طاهرًا كي أستوعب الحياةَ كما تحبّ مني. اللهمّ أجبني.
و تـَ نـ ـا م.

















إِلى اللهِ.

..

وأطمحُ أنْ أستزيدَ قليلًا.

وأمشيَ دربَ الهُداةِ سبيلًا

وأطمحُ أنْ تحتويني السماءُ

وأُمعِنُ فيها البقاءَ

طويلًا.

وأرجو الحياةَ سلامًا

ووردًا

وأرجو النجاةَ و

ظلًّا.. ظليلًّا.

وألمحُ في القلبِ سحرَ اخضرارٍ.

ومنْ ضفتيهِ همى الحُبُّ نيلًا.

وأغرقُ في نيلهِ باشتياقٍ

إلى النورِ.

هل كانَ نيلي دليلًا؟

إلى اللهِ.

هزّ اشتياقي نِداهُ

وأزهرَ دربي.. جميلًا

جميلًا.

إلى اللهِ.

يصغر همّي

ويعبرُ

دمعًا هزيلًا

وصوتًا نحيلًا.

إلى اللهِ.

أسمى رحيلٍ.

فكيفَ إلى غيرِ وجهكَ أرجو رحيلًا؟