الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

مساء الفراشات.

..

مساءً. كانت الفراشاتُ أمامه، وكان فرِحًا، خجولًا جدًا.
.
لا تسلْني عن وجهِ عاشقٍ يرى محبوبتهِ، أو شيئًا يخصها، شيئا منها، شيئًا تحبه. لا تسلْني عن ذاك البريق الهائج في عينيه، عن الكون المتفتح بين ضلوعه، عن الربيع الذي يجبره على الابتسام، والضحكة الخافتة تؤازها دمعة ماكثة طويلًا، مرآة فَتاته تلك الدمعة، لذلك سيُغمض عينيه عليها؛ لئلّا تُرى.
.
مساءً، كان يطيرُ أكثر من المعتاد، وهو المنكفئ على نفسه، لا يُحلّق خجلًا. حلّق أمام الفراشاتِ التي تشبهها، أمامَ الحياةِ الضاحكة، شفتاه ابتسامة الربيع، ابتسامة الأرض عند قطرة السماء الأولى بعد زمن انتظار. يبتسم كأنما يعرف طعم السعادة للمرة الأولى. ويستنشقها.
كم أحبّ هذا الطّغيان الشعوري، الارتباك. الخجل.

.
مساءً، كان لا يرى إلَّاها. كانت لا ترى إلّاه. كانا عصفورَين. ولا تسلني عن العصافير التي يشفّ عنها القلب. التي تغردُ رغمًا عنه، رغمًا عنها. كنتُ أبتسم لأني أحب أن يتصالح الكون مع الكائنات أحيانا. حتى ولو كان التصالح مؤقتًا. حتى ولو لم يتصالح معي. أحبّ أن أرى ذلك الوهج. ذلك الصخب الهادئ، الصامت. الذي يُنسيكَ لوهلةٍ خساراتكَ وانهزامكَ أمام الأشياء. ينسيكَ الوقت الثقييييل. أحب الخفة / الرقة / الانسجام / التماهي. أحبّ السكون والعمق.
.

هناك. للحظات. كنت أسعد من أي كائن آخر. ممتنة، في داخلي صوت " ربِح البيع ... ".

الأحد، 11 أكتوبر 2015

إليكِ ..







#إليكِ
.
منذ صغركِ، كنتِ تعلمينَ أنّك فاشلة تماما في عمل المشغولات اليدوية، واليومَ آمنتِ أكثر، حين انتكأ قلبكِ وباشرتِ خياطتهُ فغرزتِ أصابعكِ.
.
ليسَ لكِ من الأمر شيء. ليسَ لكِ صوتٌ تدفعينَ به تهمةً ملقاةً تعَبًا. وليس لكِ أن تقفي لتعلنِي أنكِ إنسانة مثلًا، وليس هنالك جمهور يدلكِ عليكِ ويحييك. وليس لك أن تنزعي ستركِ عن الغصة الممتدة في قلبكِ / رئتيكِ / وذراعكِ إلى أطرافكِ. أنتِ تقفينَ ماثلةً أمام السّهام طوعًا، وهناك .. كان ينحتُ أكثر.
.
عالقةٌ بينكِ وبين ازدحام الفراغ حولكِ، ليس ثمّة مهربٍ ولا مَنفى إلّا فيك وبك وعليك ومنك و ...
.
أنتِ.. في نظرِ الجميع الآن. في عدادِ الـ..
إلا في نظركِ. هذا ألطف ما تبقّى الآن.
.
قولي شكرًا رغم ذلك. لقد تعلمتِ كثيرا.
.
نامي. واحلمي مرارًا برسالة كان من المفترض أن تكون. ولم تكن.
.
#إليكِ
.


كنتِ تعلمينَ أنّ الثمن قلبكِ، وكنتِ مستعدة للتضحية. الآن أنتِ مستعدةَ أكثر.
تنضجينَ يا صديقة على وجَع ليس هادئ على الإطلاق، وتبدين رغمَ ذلك هادئة. هادئة من فرط النّضوج. تحترقينَ بلذّةٍ، وتعبرينَ الوجع ممتنّة.
يا صديقةَ الوقتِ الوحيدة. خبئي صوتكِ في معطفِ الليل، واغتسلي بضَوء الفجر. هذا الكون لا يأبهُ بكِ لكنه ما يزال مُحتاجًا إليكِ. يا وطنَ الغناء. يا منفَى العابرين. في الصّباحِ كوني الكَون، كوني الملجأ. وتملّصي من كينونتك ليلًا. حينَ تكونين لكِ.

.

.
إليكِ / سيّدةَ الليلِ الطّويل، الليل المتساقط على الأكتاف. سيدةَ النور، تصنعين الفجرَ بيديكِ، وتنجينَ من قلق الكون بأُعجوبة، وتسترخين في قلقكِ البعيد.
إليكِ سيدةَ الأقمارِ، ترتّبين المنازل. وتختبئينَ كاللاشيء في عتمة السّماءِ.
إليكِ / سيدةَ الزمان. تعودين إلى الخلفِ كي تتقدّمينَ. وتتقدمينَ كي تتحدّينَ الذاكرة القابعةَ خلفكِ.
إليكِ / وريثةَ الشّوق من زمن العابرين. يحنّ القلب منكِ إلى الراحل إلى الأبدِ لا إلى الباقين. تختنقين بالوِحدة وتلوذين بها وتتنفسين.
.
إليكِ / سيدةَ القلقِ المؤبّد. قبلَ استدارتكِ الأخيرةِ، تنبهي إلى الوردِ الذي سقيتيه. لقد كبُر. لا تقطفي شيئًا. أنتِ الناجي الوحيد في هذا الدّوران اللانهائيّ. وهذا الطّواف. قبل أن تديري إليّ ظهركِ. وقبل تكوّمكِ حولَ أضلاعكِ وقلبكِ. قولي لك شُكرًا. أنا الكون الوحيد الذي يحبّك. أحبّيكِ معي.
.