ما زلتُ أذكر تلك اللحظة قبل ما يقارب العامين، اللحظة التي بدأ فيها كل شيء بالتّداعي، كل شيء كان يتداعى بصوت داخلي مسموع. الغريب في الأمر، الذي لم يعد غريبًا، أنه تداعٍ مستمر منذ تلك اللحظة إلى المالانهاية، أو ربما إلى نهاية غير معلومة، لا أدري.
الحياة في مجملها أشبه الأشياء بالفراشة، تغرينا - نحن الذين كالأطفال - فنلحق بها ونحن نضحك، نوشك أن نمسكها فتهرب إلى مسافة أبعد، نعيد الكَرّة مرة أخرى وتعيدها هي، حتى نصل إلى المسافة التي نحاول اللحاق بها فيها، ونحن باكين.
لن تدرك ضعفك مبكّرًا، ستكون قويًّا في البداية؛ لأن البدايات ليست مواطن تمحيص، العبرة في النهاية التي ستتكشّف لك ذاتك فيها بكل وضوح. وستعرفك عن قرب، جيدًا.
دعني أقول لك أنك ستعيش لحظات جحيمية جدًّا، أعني ستشعر حينها بأنّ فكرة الموت قريبة منك لدرجة كبيرة، ربما في حالات أسوأ ستراودك فكرة الانتحار - إذا لم تكن فكرة الإقدام عليه - وسترى الحياة بعينٍ أخرى غير العين التي اعتدت رؤيتها بها. عين الحقيقة. لكن لا بأس، احرص أن لا تعيش الجحيم بعد موتك لأن ذلك ما لن تحتمله حقًّا. أما اللحظات الجحيمية هنا فهي وقودك لمزيد من الدمع حين ينتابك حزن جافّ أو ألمٌ قاحل.
عندما تأوي إلى نفسك حزينًا ليلًا، تذكّر أن تتأمّل حزنك جيدا وتفهمه، ربما يجدر بك تخبئة هذا الاستياء لقادم أسوأ. ربما.
ما زالت الأشياء تتداعى، غير أن الجيد في الموضوع أنك تصبح قويا حين تعتاد التداعي، يصبح التهشّم ضرورة.