الأربعاء، 10 مايو 2017

سَفَرْ



نراها خيالاتكم في الطريقِ
ونقرأ أسماءكم في الوجوهِ
ونعرفكم..
إنّمْا تسلكون طريقَ الغِيابْ.
صديقي - الذي غاب حينَ تلوتُ اسمهُ
في الصَّلاة
وحين فتحتُ له القلبَ يدخل من أيّ
باب يشاءُ
وأغلق في وجهي اليومَ بابْ -.
..
يكونُ المحبُّ محبًّا
إذا مرَّهُ قمرٌ مُستديرٌ.. فيسرح فيهِ
يقلبُ في معجم الكلمات
بحزْنٍ وتيهِ
ليرسمَ فيه قصيدتهُ البكرَ
يأملُ أنْ يستمرّ الظلامُ طويلًا
لكَيْ يستريحَ بوجه القمرْ.
ويبدو عليهِ الهوَى.. يا صديقُ
ويبدو الضّجَرْ
يُعيذُ الخُطى من ضلالِ المسيرِ
ومن وعثاء الهوى والسَّفرْ.
..
صديقي
سيبدو الهوى محضُ شكٍّ
يمرُّ خفيفًا مرور السَّحابْ
ستمشي إليهِ تُمنّيكَ عينكَ
لكنّه يا صديقُ سرابْ
..
غدًا سوف تحملكَ الأمنياتُ
التي أفلتتها هباءً يداكَ
تقول، وفيكَ الهوى والهوانُ: خذيني
سريعًا 
خذيني
هناكَ.
ولكنّها مرّة يا صديقُ فأنَّى تعودْ؟
إذا هجر المرءُ قلبًا فما ثمّ
أرضٌ ستؤويهِ يومًا إليهَا
ويبقى على تيهه أربعينَ
يرومُ هواها ويجري عليها 
ويمشي على جمرةِ المتعبينَ
ويغرقُ حين يشاءُ الصعودْ.

الثلاثاء، 21 فبراير 2017

تداعي






ما زلتُ أذكر تلك اللحظة قبل ما يقارب العامين، اللحظة التي بدأ فيها كل شيء بالتّداعي، كل شيء كان يتداعى بصوت داخلي مسموع. الغريب في الأمر، الذي لم يعد غريبًا، أنه تداعٍ مستمر منذ تلك اللحظة إلى المالانهاية، أو ربما إلى نهاية غير معلومة، لا أدري.

الحياة في مجملها أشبه الأشياء بالفراشة، تغرينا - نحن الذين كالأطفال - فنلحق بها ونحن نضحك، نوشك أن نمسكها فتهرب إلى مسافة أبعد، نعيد الكَرّة مرة أخرى وتعيدها هي، حتى نصل إلى المسافة التي نحاول اللحاق بها فيها، ونحن باكين.

لن تدرك ضعفك مبكّرًا، ستكون قويًّا في البداية؛ لأن البدايات ليست مواطن تمحيص، العبرة في النهاية التي ستتكشّف لك ذاتك فيها بكل وضوح. وستعرفك عن قرب، جيدًا.

دعني أقول لك أنك ستعيش لحظات جحيمية جدًّا، أعني ستشعر حينها بأنّ فكرة الموت قريبة منك لدرجة كبيرة، ربما في حالات أسوأ ستراودك فكرة الانتحار - إذا لم تكن فكرة الإقدام عليه - وسترى الحياة بعينٍ أخرى غير العين التي اعتدت رؤيتها بها. عين الحقيقة. لكن لا بأس، احرص أن لا تعيش الجحيم بعد موتك لأن ذلك ما لن تحتمله حقًّا. أما اللحظات الجحيمية هنا فهي وقودك لمزيد من الدمع حين ينتابك حزن جافّ أو ألمٌ قاحل.

عندما تأوي إلى نفسك حزينًا ليلًا، تذكّر أن تتأمّل حزنك جيدا وتفهمه، ربما يجدر بك تخبئة هذا الاستياء لقادم أسوأ. ربما.

ما زالت الأشياء تتداعى، غير أن الجيد في الموضوع أنك تصبح قويا حين تعتاد التداعي، يصبح التهشّم ضرورة. 

الاثنين، 20 فبراير 2017

" اكتبي يوميات واجد ".

يكاد صوتي الداخلي يبحّ من كثرة النداء عليّ كي أكتب، غير أن ثمّة ما يجعلني أخاف الكتابة هذه المرة، وهذه ليست المرّة الأولى التي أعترف فيها بأنني أحترف الهروب كثيرًا، وهذا ما يجعلني في قمة الاستياء وقاع الحياة الآن، هروبي الدائم.

أكتب لأن ثمة قلق ينفجر بداخلي كل حين مُعلنًا أن جزءًا مني قد انتهى دون أن يكون شيئًا، جزءًا من الحياةِ مضى ولم يكن شيئًا مذكورا. لا أسعى لشيء سعيي أن أرى إلى الخلف فأجدني رسّخت شيئا أستدل من خلاله أني عبرت هذا الطريق أو ذاك، لا يعنيني أن يراه أحد آخر. يعنيني أن أراه بقلبي فقط. أريد شيئًا ينسف الأصوات المتعاركة فيّ: أنت غير ذات جدوى، أنتِ صفراء ذابلة، سقط عمرك سهوًا في نهر جارٍ لا يرجع للوراء، أنتِ تُبذّرين الحياةَ بلا أمل ولا معنى. أنتِ وهم ..... إلى ما لانهاية.

أنا الخاسرة الدائمة في معركة الحُبِّ، يتسرب الحبّ من بين أصابع قلبي تسربَ الماء من الوعاء المثقوب، وأبكي مشلولة كما يبكي جريح الحرب، وأسقط في الإعياء سقوط الميتين. أحترقُ كثيرًا، أشمّ رائحة الرماد وأعرف أن الأجزاء المحترقة لا تعود.

بينما يتخلص الإنسان من الدوائر التي تعزله عن الآخرين حين يعتاد ويتأقلم عليهم، أبني دوائري بنفسي أحيانًا وأقف خائفة جزِعة وحيدة أشكو الغُربة، كلهم حولي ولا أحد.

لا شيءَ سوى أنني أستيقظ كلّ صباحٍ أفتّش عن الحياةِ في كلّ شيء، صلاة الفجر، المصحف، الطريق بين البيت والجامعة، كوب الشاي الذي نتناوب في إعداده، خطواتي السريعة... كل شيء. وأضيع الكثير من الوقت ممتلئة بندم أستطيع تجنّبه إذا توقفت عن تضييع الوقت حقًا، أعود مثقلة بالندم لأنني كنت قررت البارحة أن أغيّر نمط الحياة في جوانب كثيرة ولمْ أغير شيئا في الواقع، أعود إلى النوم مساءً وأنا أعد نفسي بأن غدًا سيكون أكثر أملًا وحياة. ولست متأكدة إن كنت سأستيقظ غدًا أم لا. 

أشعر بطريقة اليقين أنّ حياتي لن تكون طويلة جدًّا، لذلكَ لن أغرق في شيء واحد، سأبذل ما بوسعي كي أقول: عشتُ!
كم منّا أموات على قيد الحياة؟ كثير جدا! لكن لن تجد ميتًا ماشيا أمامك من جديد إلا في خرافات الأوّلين، نحن نتساوى في الموت لا في الحياة. لذلك عش وفي قلبك يقين الموت؛ حتى لا يُفاجئك.
لحظتي الأخيرة في هذه الدائرة التي تسمّى " حياة " لن تكون ممهّدة بحركة بطيئة وموسيقى خلفية كما يحدث في الأفلام عندما يموت البطل، لن تكون هناك كلمة أخيرة يخلّدها التاريخ ويعيش على ذكراها المحبّون، لن تكون هناك ذكرى، لن يكون هناك محبون. ستكون هناك دموع تجفّ مع أول هبوب للريح، ثم لا شيء.

...

أكتب بناءً على رغبتي وأُطلع الآخرين بناءً على طلبِ أحدهم: " كتبي يوميات واجد ".