الاثنين، 22 فبراير 2016

كلام فائض عن الحاجة.


.
.
..
صباح متعَب آخر.
أتساءل عمّا يعنيه الصباح حين يأتي متثائبًا غير عابئ بمعناهُ لي، النعاس الذي يغزو عينيّ كأني لم أنم منذ أمد. والهدوء الخدِر الذي يملؤ التفاصيل، ابتداءً من صوتي المتعب انتهاء بالطريق والمساحات التي تمتلئُ بالمستيقظين / اللامستيقظين، مثلي. أتساءل أيضا فيما إذا كان الصباح يأتيني متعَبا دون الآخرين، أقول ربّما لأنني أخذت حقي من الصباحات المنعشة وانتهى رصيدي منها. 
..
أعبر الممرّ وحدي، تفاجئني بين حين وآخر فتاة مسرِعة تلقي السّلام وابتسامة تعوّضني انطفاء الشمس في الأفق البعيد، يتهيؤ لي من هيئة الفتاة أنها تسرع لتتدارك حلَقة الذكر التي تقام في سكنات الطالبات الداخلية، يتفسّر بهذا الظنّ وجهُها المشرق وابتسامتها الحيّة.
وأعبر الممرّ وحدي...
كنت دائما أحب الطرقات الخالية، وما زلت.. لكن ليس الآن. ليس في وجه الصباح المنتمي إلى ما قبل الإشراق، الصباح الذي لا يشبه الصباح في شيء سوى اسمه وضوء الشمس المتخاذل ودقّات الساعة المنتظرة للمحاضرة الأولى، وكسل هذا القلب، أو خذلانِه. أحتاج طريقا صاخبًا يضج بالحياة علّه يستفز عيني للصحو، للتفتح للإشراق. أخشى أنّ الصباحات الكسولة إحدى مضاعفات المرض التي ما زلت أقرؤها منذ زمن وأحاذرها من بعيد. تتحقق الأشياء وأنا على دراية بها. وحدي أنتبه لهذه التفاصيل لأقلقَ بها ثم أركمها في زاوية من التفكير مهملة حتى أتناساها، لا شيء يدفعنا لمواصلة الحياة كما يفعل التناسي، التناسي لا النسيان.

ألجأ إلى ركن قصيٍّ في الاستراحة القريبة، أفتح المصحف وأراجع الحفظ مرة أخرى، لأن المرة الأولى كانت غارقة بين هدير الحافلة والنعاس الطاغي. أغمض عيني لأحظى بدقائق نوم أحسب أنها ستعيدني إلى الحياة مجددا، أنام أقل من ربع ساعة مثقلة بكل ما يمكن من الأحلام وشعور ما بين النوم واليقظة وكل شيء يمنح الرأس ألمًا. وأستيقظ.

الشاي، الفكرة الأذكى في تاريخ البشرية، أمشي إلى أبعد مكان أستطيع أن أشرب فيه شايا أو قهوة، وأعبر الممر وحدي، والممرات فارغة إلا من عمال النظافة يمسحون غبار الأمسِ، يهيئون الأرض لغبار اليوم الجديد. ولكل يوم نسيمه الخاص، وغباره الخاص. المكان موحش لكن الأمر الجيد أنه لم تعد لدي رغبة في مصادفة أحد في الطريق أو سماع صوت ما. اكتفيت بالتأكد من أنني في الصحو باسترجاع الذاكرة، وكلمة " آخ " التي تنهش القلب بين لحظة وأخرى. الذاكرة مغذٍّ جيد، يفتح المسامات المنغلقة في زوايا القلب والدماغ ويمنحك شعورا - وإن كان سيئا - بالحياة.

أكره الممرات الموصلة إلى كليّتي التجارة والآداب، أشعر بالقلقِ والحذر. أضطر أولا إلى قطع الشارع وهي الخطوة الأسوأ. ثم أصطدم بأناس أشدّاء عليّ، رحماء بين بعضهم. أكره النظرات التي تشعرك بأنك تدوس أرضًا ليست لك. أعلم أن هذا شعور مبالغ فيه، لكن هكذا أشعر. الممر الفارغ اليوم اختصر عليّ هذه المشاعر جميعها. أصل إلى كوب " النسكافية " المليئ بالسّكّر والذي أعلم أنني سأدفع ضريبة شُربه بعد حين تعبًا. المكان فارغ إلا من فتاتين يتناولان الإفطار وتعلو وجهيهما غيمة لم أفهمها. أجلس بعيدًا ولا أدري إن كان بإمكانهما أيضا أن تريا الغيوم على رأسي. لكن أظننا تفاهمنا أن لكل غيمته الخاصة، لا شأن لي بك ولا لك بي. أسترق النظر بين الحين والآخر وأتساءل كيف بإمكان الناس أن يأكلوا كثيرًا دون أدنى شعور بالنّدم؟. أكتب كي أفرّغ الصخَب في داخلي في عتمة الهدوء هذه. وأنتهي حين يصبح المكان صاخبا، وتشاركني الطاولة التي أجلس عليها فتاة غريبة - لأن المكان مزدحم - دون أن تلقي السلام، وأخرج.

الإثنين
9:24 صَ

الاثنين، 8 فبراير 2016

قَلقْ.

.
.
أستغرقُ العمُرَ
التجاءً للسّماءِ ..
وصوتُ أنفاسِي قلَقْ.
جرح الصباحُ الشِّعر
فينا مُذْ خرجنا كي نبارك شمسَه
والليل في الأفقِ انزَلقْ.
..
يا فالقَ الإصباحِ
شمسٌ في دمانا تحترقْ.
أفل الضياءُ، تشظّت الأقمارُ
مرّت عبر أضلاعي
شظايا.. من ورقْ.
..
يا فالق الإصباحِ..
يمضي العمرُ مضي
الخائِفينَ
وثمّ زلزلة تهدّدُ بالغرقْ.
..
مُذ أشرعت خطواتيَ
البكرُ الحياةَ، أتتْ عليَّ
ودربُ حلُمي ما اتّسقْ.
..
أسرفت في الأحلامِ
قلبِي رجفةٌ حَيرى
تهاوَت لهفةُ الأشياءِ والأمل
احتَرقْ.
..
كم مرة مدَّ الطريقُ
ذراعهُ
وممدتُ ...
لكنْ للطريقةِ
مَن سَبقْ.
..