فكرة سيئة، قلت لنفسي ذلك مرارًا. كان الهرب فكرةً سيئة.
تجلس هناك، وحيدة، مأخوذة بعالم لا نراه. تجلس مشتَّتة تارة، وتارة تبتسم لعابرة ألقت نكتة غير مضحكة. تبدو متلهّفة إلى شيء غير موجود، شيء منالعدَم.
في كلِّ مرة كنت أقطع صلتي بالأفكار التي تلازمني، وأقنع عقلي أنها لا تهمني، كانت تعود كالكابوس، مرعبة وقاصمة. كانت تؤرقني كأنني الهدف الوحيدفي مرماها، وتهوي بي في وادٍ سحيق. أنا غارقة، هذا ما أستطيع قوله وما يمكن تبريره. غارقة حتى أني لا أجد قدميّ وأوشك أفقد قلبي.
أنا عالقة، في المنتصف من كلِّ شيء. من السعادة والأسى، من الرغبة والاكتفاء، من الشوق واليأس. أنا عالقة حيث لا أحد يُقدِم على الإنقاذ ولا أحد يهرب. حيث المرء حبيس نفسه وموقعه. أنا عالقة يا صديق، ولا أحد.
ألتفت كلّ صباح يمينا ويسارا أبحث عن إجابة، إجابة هي ملء عيني لكن لا أراها، ربما لأني لا أريد رؤيتها، وربما لأني أخشى ذلك.
ألتفت كل صباح لأرى الأيام تتمزق من حولنا، وتمزّقنا. كم تستحق هذه الحياة أن نبذل من أجلها؟ هل بمقدار ما تأخذ؟ هل بمقدار ما تعطي؟
أتأمّل كيف تُخلي الحياة سبيل الأرواح فجأة، يتخطّفنا الموت، يولد فرد جديد. وهكذا تدور الأيام. هل فعلا تستحق الحياة هذا الكفاح من أجلها؟ هل تستحقأن أزرع في رأسي ألما أو أن أطعن جاري في خاصرته؟
نتماهى. ننسى أننا قد نغادر الآن، أو ربما سيغادر من يقف بجوارنا، ربما سيغادر من نحمله في صدورنا، أو من نحمل عليه.
ننسى أننا نقف في مكان ما بين الحياة والموت، طيلة الوقت، ولا نعرف حقيقة الأمر إلى أي منها نحن أقرب. واقفين كأننا على وعد مع الحياة أنها ستمهلنامزيدا من الوقت. كأننا على وعد من الموت أنه ما يزال بعيدا جدا، قدر الحياة التي نأملها لنا ولمن نحب.
مخذولة جدا.
خذلت لأنني أمِلت ما لا يؤمل، أمِلت أن يتغير الناس، أن يصبح المرء فيهم أكثر إدراكا للحقيقة الأزلية؛ أنه لن يبقى. أمِلت أن يسعى الناس إلى تحقيق الحُبّ،إلى تحقيق الرحمة، إلى تحقيق الخلافة التي أراد الله أن تتحقق. وهذا الخذلان يكبر لأننا نبتعد في كل مرة خطوة أوسع، خطوة أبعد مما نريد، ونتوقع في كلّمرة قُربا أكثر.
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف