السبت، 9 مايو 2015

حِوار عابر

(1)

- أشْعرُ أنّ قلبي سيقف. أظنّهُ يَستعجل نبضاته كي يدركَ النبضة الأخيرة.
- ليسَ بعد، اسأليهِ يتمهّل.
.
كأنّ قلبي بيدي. تنْسى - كونَها لم تدرس الأحياءَ ربّما - أن القلبَ عضلةٌ مُرهَقةٌ لا إراديّة، وأنّ نبضة في الوقتِ الخطأ قدْ تودي بحياةٍ كاملة. تنسى أنّ ثقبًا صغيرًا فيه يحتاجُ مقدارَ حياةٍ كاملة أيضًا كي يشفى، هذا إذا تيسّر له الشّفاء. إذا.

أحتاجُ نصًّا طويلًا، أقول لها، أحتاجُ نصًّا فارهًا جدًّا يُقنع هذا القلقَ بأن يُحرّرني قليلًا، ثمّ أستدرك، أُريد أن أتحرّر من هذا القلق في نصٍّ فارِه. هكذا أعدتُ الصّياغة، حتى لا تُكرّر عليّ كلماتِ الإرادة و و.. التي لا تحتَملني. ولا أحتملها. أقول بعد إطراقٍ، أو عَلى الأقلّ، أحتاجُ سفرًا طويلًا.

- مُترَفةٌ أنتِ. مُترَفة جدًّا.

طيب.

...

(2)


تمدّ نظرهَا إلى البحرِ أمامَها، تُغلق عينيها وتوقفُ حواسّها جميعًا، حواسّها الإراديّة طبعًا.
باستغرابٍ:
- تَشربين البحرَ؟ 

هههه نعم أشربُه، تفردُ كفّها وتشير إلى البحر، الكفّ مضطرب كموجةٍ قلقة، ساهمَة تنظر إلى البعييد جدًّا، دونَ أن تلتفت، لمَ لا نستطيع المشيَ على الماءِ أسألكِ؟

- امم، لوْ كانَ ممكنًا لوصلنا بعيدًا جدًّا.

تبتسم، لا، تتكلف ابتسامةً متطرفة، هذه الابتسامة مكلِفة.
طيب أنا أريد أن نصل بعيدًا، لمَ لا نستطيعُ أن نمشي على الماءِ، أسألكِ؟
نسيت كفّها معلقةً في الهواء.

- اممم.

تنظرُ إليها بعدَ كثير، علامةُ استفهامٍ جاثمة على رأسها، وأخرى بين جفنيهَا. 
تعودُ إلى الماءِ. لا جواب. ثم، على سبيل السّخافة، تقول: ربمّا يجب أن نمتلكَ أرجلًا أشبهَ بأرجل البطِّ أو أرجلًا محدّبة كَبطن سفينة. 
بطنها أو ظهرها؟ 
تَرسم بكفّها العالقة أخيرًا وجهًا محدبًا في الهواء.

ثمَّ، تلتفتُ للطّيرِ العابرِ أعلَى الماءِ، جناحه الثابت ورقصتهُ على صوتِ الموجةِ، يشبه كفها المضطربة قبل قليل. يشبهها تمامًا، راحت تقلص عينيها، ثم، هل هذا طائر نورس؟ 

- أظنّه غُراب.

هههههههه غرابٌ على الماء، الغراب يقف على عمود الكهرباء فقط، يعيش عليه، وربما يحترقُ به ذاتَ صاعقة. هذا ليسَ غُرابًا.

عصفور يمرّ من فوقها يُقاوم الريح بجناحهِ الصغير، يكاد يسقطُ على رأسها، يكاد قلبها أن يرتفع إليه حتى لا يسقط.
لا أحبّ للعصافير أن تسقطَ وهي تملك أجنحةً. السقوط لنا. نحن الذين لا نمتلك أجنحة واعتدنا على الأرضِ.

تعودُ تناقض نفسها، لكنني أنتمي إلى السّماء في الحقيقة، وإلّا لمَ لمْ أتصالح مع الأرضِ وقد وقفت عليها عشرينَ عامًا وسبعة أشهر؟ أنا أخجل أن أرفع عيني إلى السماء إلا إذا كانتْ مُشرعةً تمامًا، حتّى أستوعبها كما تفعل. ولم أعرّضُ قلبي لغيرها إطلاقًا. تحاول إقناع ذاتها.
..

(3)


الحياةُ ثقيلة - قليلًا - وإلّا ؟

- أنتِ تصنعينَ الحياةَ بيديكِ وتتحكّمـ ـيـ ...


ساهمةً مرةً أخرى، مُشكلتي هذه الأسئلة التي تلحّ عليّ ولا تنفد، والمشكلة الأخرى أنني لا أريد أن أسمعَ المزيد.
.

هناك تعليق واحد:

  1. تعودُ تناقض نفسها، لكنني أنتمي إلى السّماء في الحقيقة، وإلّا لمَ لمْ أتصالح مع الأرضِ وقد وقفت عليها عشرينَ عامًا وسبعة أشهر؟. :"( ألفة يا جميلة.

    ردحذف