الأحد، 29 مايو 2016

أَروى

.
.
...
يمضي الوقت هاربًا هكذا أمام أعيننا، يعبرنا مدركين غيرَ مدركين تمامًا. الأشخاص الذي كانوا معنا من النفَس الأول، من الصرخة الأولى، من البكاء الأول ومن كل شيء أول في الحياة. الأشخاص الذين رأينا فيهم الطفولة/ الحياة/ المراهقة/ الشغب/ الغفلة / المراهقة/ الوعي / الشباب. الأشخاص الذين راقبنا تحركاتهم كلها، وعشناها.


..
الطفلة التي استقبلتني بكل اللطف أختًا أولى. أختًا صُغرى. التي ابتسمت لي أولًا، وتبتسم لي أبدًا، التي اقتسمت معها كل شيء، ورأيت بعينيها كلّ شيء، التي شاركتني حرائق جسدي، لا أظنني أذكر ذلك لكنني رسمته خيالا من كثرة ما سمعته، كانت تحضر لي " المكسّرات " في المستشفى، ولأنها الكبرى، كانت تشعر بالوِصاية عليّ، تسألني أن أختار المفضلة لدي لتأخذ هي النوع الآخر، وبكل أنانية كنت آخذ ما أحب. الطفلة التي قُدنا أنا وهي معًا عربات الدمى، حين كنّا أمهات صغار، تقاسمنا قطعة الحلوى الأخيرة، ومائة البيسة التي كنا نُعطى إياها عصرَ كل يوم :" كل وحدة خمسين ". 
الطفلة التي تسابقت معها في حفظ القرآن، التي بدأت الحفظ ورأى فيها أبويَّ سِعَة التقبِّل لمواصلة مشروعهما في تحفيظنا نحن البقية، التي أنهيت معها الحفظ في اليوم نفسه، واحتفلنا بالختمة معًا. الأخت التي لبستُ فساتين العيد معها. التي نعود معًا نهاية كل يومٍ إلى نفس الغرفة نفكر فيما قيل ومن قال ولماذا قال. والكلمات الصغيرة التي كانت كبيرة مؤذية. وما يجب أن نتحسس منه وما لا. ومن نحب أكثر ممن. كنا نتحدث عن كل شيء، كل شيء. بحبٍّ وحِرص.
..
كبرنا معًا، أصبحنا نعود مساء إلى غرفتنا لنتحدث عن كلّ شيء أيضًا، تعرف أنني لا أحب التحدث عن ما يزعجني فتسكت، وتسكت، وتسكت، حتى أرى حزني ساكنًا فيها، أتحدث إليها عنّي بحذر خشيةَ أن أخدشَ فيها شعورها، خشيةَ أن أتسبب بأذى، تشبه فراشةَ الحقلِ التي تحطّ على أيّ شيء فلا تؤذي، أخشى عليها انكفاء أجنحتها، أخشى عليها الحزن واليأس. أكون بخير، رغم أيّ شيء حتى أشعر أن في صدرها خوف أو قلق، هذا الشعور يشبه الانتهاء.
كبرنا لنرى العالم بطريقتين مختلفتين تمامًا، يوحّدنا في طرائقنا الحبّ والأمل. كبرنا لأرى خطواتها التي لا تلمس الأرض، خطواتها الشبيهة بالنسيم الذي يترك لُطفًا، وأثر فراشة.
كبرنا لنترك في بعضنا أثرًا ورسائل ونودعُ قلبينا حبا وأمانًا.

..
الطفلة كبرَت لأراها عروسًا، تُزفّ إلى من اختارها كي يحظى بها، وتكون له. كبرت لتقول وداعا لأشيائنا الصغيرة وأغراضنا المشتركة. نقول وداعًا لحياة ضيقة إلى حياة أوسَع وأرحب.

 أروى / عروس الليلة، وعروس هذا القلب.

هناك 4 تعليقات:

  1. كتبتِ ما لم أستطع أن أكتب في أي من إخوتي؛ ما تجاوز مجال الحرف ليضيق به مجال الدمع.
    فليبارك الله أروى، وليحفظكما أبدًا مسخرتين لبعضكما، وليعمر حياتها بالحب والرضا.

    ردحذف
    الردود
    1. مزنة ❤

      كل شيء أكبر من أن نكتبه صدقيني. لكننا نتنفس فقط. آمين آمين وإياك ❤

      حذف
  2. بكيتُ فراقَ أروى و هيَ ليست بأختي, فليبارك الله حياتهما و يجمعكما على خير و محبة دائمين, ما أصدقَ حبّ الأخوة, ما أجملَ حبّ الأخوة, و ما أكبر حظ أروى فيكِ ألف.

    ردحذف
  3. ألف تنهيدة الليلة، تنهيدات لانهائيات إلى الأبد.
    عمر الله حياتيكما وحياة عزاء.

    ردحذف